Archive for the ‘أضواءك يا دمشق’ Category

الموت طحناً

الخميس, يوليو 30th, 2009

أحسّت نفسها بطاحونة، كانت أضلاعها تؤلمها حدّ الصراخ، أدركت أنّها لم تنته بعد، كانت تمني نفسها بشيء ٍمن موت، أو أي شيء يجعل أضلاعها تخرس للأبد، ذلك الألم أو سمه كما شئت جعلها تنسى الأبجديّة كلها ما عدا حرفي آ.. ه … نهش جسمها اعتصره بكل قوّة، سرق الضوء من عينيها فلم تعد ترى سوى موتى جاؤوا يلقون تحيّة تقرّب دون ابتسامةٍ ولا موّدة.

شعرت رأسها يدق ُُّبمطرقة، بل أن المطرقة قد استخدمته كمدق ٍ لها في كل شيء ! على النوافذ الجدران وحتى الأبنية الشاهقة ، بنات عقلها بل النساء في الشارع لا تعرف من، لا تعرف من  بالتحديد كن يبكين ويتعالى النواح للسماء السابعة ويعود ليدق رأسها بعنف على أرض ٍ يتراكض المارّة فوقها بحثاً عن أنفسهم كما كانت تفعل هي كل يوم ..

قلبها! أين قلبها، هرب خوفاً من الألم.. تسلل بعيداً، تخلى عنها كما يفعل عادةً ! بدأت تبحث، أرادت أن تتلمس نفسها لتشعر بنبض لتسمع سيل حياة في  شريان ٍما.. لكنها لم تستطع منذ زمن فقدت الشعور هذا  أو حتى الاحساس برقصات الدم والقلب معاً، لم يكن يهمها الأمر لمجرد أنها تتنفس بأمان، لكن الأنفاس حتى الأنفاس الآن فُقدت، أحجار الهموم والخوف  تراكمت فوق صدرها حرمتها شهيقه وزفيره وحتى صوتها لم تكن متأكدةً انها كانت تتكلم قبل ذلك أم أنها ولدت بكماء.

هذه النهاية التي تريدها، دهساً بسيارة..!! كانت تريد الشهادة في سبيل علمٍ أو أرض لا أكثر ولا أقل، حلمٌ اقترب حدّ الابتعاد،  بدا لها للحظة أن أصعب مافي الكون أن تموت طحناً أن تسبقها أضلاعها للمقبرة أن تشعر بها أمام عينيها تموت وتتفت وتصبح على يقين أن  أنجح طبيب عظام في المجرّة لن يستطيع أن يعيدها لمكانها حيث يستمرا بالحياة معاً، فتضطر للحاقها إلى مراسم الدفن جلدةً رخوة لا شيء فيها سوى عينان تمزقتا من شدّة البكاء .. ويُلقى التراب على نفسها جميعاً ،جسداً وروحاً، عظاماً وقلباً.. عينان.. ولا يدركون  صلة حياتهم بل  صلة الموت فقط.

أرادت أن تنهي ما بدأت، تناست كل ما تشعر به لتصل إلى مقعد دراسة، جلست كثكلى أو أرملة،  أمسكت القلم لتذبح آخر ما تبقى من الحلم، لتشرب آخر قطرة ٍ في الدنيا من نجاح، لتودعه بطمأنينة رغم أنه ما زال بحاجتها،  تسعة عشر عاماً أمضتها بين الحروف، كان من السهل أن تتعامل معها ربما لأنهما تربيا معاً على صفحات دفتر وبين دفتي كتاب، كان الحرف وهي على صلةٍ يجعلهما واحد، حتى أنها رأته يبكي لألمها، وجودها معه يريحها أكثر من أي شيء وكأنّ الكتابة أو القراءة  دواءٌ لم يكتشفه الأطباء بعد، كانت والورق من عجينة وحده ولذلك هو وحده كفيل ٌبمعرفة ألمها ، جعلها في  90 دقيقة تتذكر الماضي كأحجية تركبها دون أن تشعر،صورٌ كثيرة، أناسٌ أحبتهم، عشقت الحديث معهم، ذكرياتٌ لا تُحصى، أحلام ٌ لم تنته … أوشكت أن تودعها إلا أن الله ما كتب لها ذلك، وأيقنت أن الضربة التي لا تقتلها تزيدها قوّة.

17-6-2009

موتو أريحلو..!!

الجمعة, أبريل 24th, 2009

14-6-1995

لو كنت حياً لأصبح عمرك الآن سنة، لكنك لن تمشي،  هل يمشي الأطفال في عمر السنة ؟ لا أدري .. لا يُهم .. إنها المرّة الأولى التي أكتب لك، والدتك  توفيت بعد موتك، وأنا كذلك لكنهم يقولون أني أتنفس، أذكرك ولدت بلا قدمين يا .. يا .. يا .. دعني اختار لك اسماً “سامح” أظنه مناسب لما سأقوله بعد قليل .. أو دعه للسنة القادمة.

14-6-1996

لا،ما نسيت عيد موتك، كل عام وصورتك في رأسي، بلا قدمين ووجه مشوّه، نعم أعرف أنه من المؤلم إخبارك بهذا. ليس لدي هديه أبلغ والدتك سلامي!

14-6-1997

سامح.. أصبحتُ  في الثالثة من الندم، أرجوك عد  دون يدين حتى، أريد أن أكون معك، تزوجت بشقراء، لكنها لا تنجب، لأنني وحيد يا سامح أردتها في سريري.

25-3-1998

أعرف إنه ليس عيد موتك، لكني اشتقت جداً لحديثنا، رأيت اليوم طفلاً يُشبهك، ووالده يلعب معه… في المنام رأيته، سامح أكنت أنت، وجدت أباً غيري.. !!

14-6-1998

كيف حال والديك؟ هل يعاملك ذلك الرجل جيداً، بدا طيباً ووالدتك أسعيدةٌ في السماء؟ طلقت زوجتي حاولت تحريري من الندم، سامح انتبه لنفسك.. أحبك.

14-6-1999

كنت ومازلت وستبقى بلا قدمين، كنت ومازلت سأبقى نادماً على قتلي لك، لا، لا .. لم أفعل ذلك بيدي، كلفت عاملة التنظيف بذلك!
فكرت كيف أخبر أمك، إلا أنها ماتت، أظنه قلب الأم!
لست قاتلاً، لست قاتلاً .. أردت لك الموت أردت لك الأفضل.

14-6-2000

نعم صدقني، تظاهروا بالمثالية جميعهم، قالوا لو أنهم رزقوا بمثلك لصبروا… لا تصدقهم سامح الصبر صعب جداً، لست مثالياً لا أشبههم، هم لا  يعرفون … وحدي أصبر على الندم، على الفقد، على الشوق … عفواً نسيت: كل عام وأنت مُعذبي.

14-7-2002

كفاني بعداً سنتين، سامح أظنك غفرت لي، أصبحت رجلاً وأنا في السابعة من العذاب.

14-8-2003

لا أحاول تذكيرك، لكني قابلت قاتلتك، ابتسمت بخبث، تريد مني المزيد من النقود، تخيل ليست نادمة، سامح هل نمَت قدماك في الجنة، قل لي نعم أرجوك.. دعني اطمئن.

14-6-2004

أرادت والدتك أن تسميك كامل، لكنك لم تكن، فعلت ما فعلت لأجلكما، سأتوقف عن ذكر هذا…. ما مضى، مضى وأنت تفهمني أكثر من الجميع.

14-6- 2005

عشر سنين وأنا دونك، عشر سنين يا صغير أستغفر وأتوب، سامحني .. لو أني كنت أعقل فقط !

14-6- 2045

تراك لو كنت هنا ستقتلني، بلغت الثمانين لا أمشي، لا أتحرك، يُصاب من يراني بالاغماء.

————————-

همسة:

أعرف أنّك لا تعتبر نفسك أفضل من أحد، وما ظننتَ يوماً أنّ المعاقَ يفكرُ بكمالكْ، لاتحجز لنفسك كرسياً في جهنم لأجل كلمة تلقيها،أو أن تذل في أرذل العمر لاستهزائك، لست مطالباً بحلول لأجله مهما كنت تظنها مفيدة أنت دوماً أكبر من  التفكير بالشفقة عليه، ومن المؤكد “أن موتو مو أريحلو” إلا أنه قد يبدو جيداً بالنسبة لك عندما لا تستطيع مساعدته بشيء .. المعاق مجرد شخص مختلف بطريقة أو بأخرى.