الموت طحناً

أحسّت نفسها بطاحونة، كانت أضلاعها تؤلمها حدّ الصراخ، أدركت أنّها لم تنته بعد، كانت تمني نفسها بشيء ٍمن موت، أو أي شيء يجعل أضلاعها تخرس للأبد، ذلك الألم أو سمه كما شئت جعلها تنسى الأبجديّة كلها ما عدا حرفي آ.. ه … نهش جسمها اعتصره بكل قوّة، سرق الضوء من عينيها فلم تعد ترى سوى موتى جاؤوا يلقون تحيّة تقرّب دون ابتسامةٍ ولا موّدة.

شعرت رأسها يدق ُُّبمطرقة، بل أن المطرقة قد استخدمته كمدق ٍ لها في كل شيء ! على النوافذ الجدران وحتى الأبنية الشاهقة ، بنات عقلها بل النساء في الشارع لا تعرف من، لا تعرف من  بالتحديد كن يبكين ويتعالى النواح للسماء السابعة ويعود ليدق رأسها بعنف على أرض ٍ يتراكض المارّة فوقها بحثاً عن أنفسهم كما كانت تفعل هي كل يوم ..

قلبها! أين قلبها، هرب خوفاً من الألم.. تسلل بعيداً، تخلى عنها كما يفعل عادةً ! بدأت تبحث، أرادت أن تتلمس نفسها لتشعر بنبض لتسمع سيل حياة في  شريان ٍما.. لكنها لم تستطع منذ زمن فقدت الشعور هذا  أو حتى الاحساس برقصات الدم والقلب معاً، لم يكن يهمها الأمر لمجرد أنها تتنفس بأمان، لكن الأنفاس حتى الأنفاس الآن فُقدت، أحجار الهموم والخوف  تراكمت فوق صدرها حرمتها شهيقه وزفيره وحتى صوتها لم تكن متأكدةً انها كانت تتكلم قبل ذلك أم أنها ولدت بكماء.

هذه النهاية التي تريدها، دهساً بسيارة..!! كانت تريد الشهادة في سبيل علمٍ أو أرض لا أكثر ولا أقل، حلمٌ اقترب حدّ الابتعاد،  بدا لها للحظة أن أصعب مافي الكون أن تموت طحناً أن تسبقها أضلاعها للمقبرة أن تشعر بها أمام عينيها تموت وتتفت وتصبح على يقين أن  أنجح طبيب عظام في المجرّة لن يستطيع أن يعيدها لمكانها حيث يستمرا بالحياة معاً، فتضطر للحاقها إلى مراسم الدفن جلدةً رخوة لا شيء فيها سوى عينان تمزقتا من شدّة البكاء .. ويُلقى التراب على نفسها جميعاً ،جسداً وروحاً، عظاماً وقلباً.. عينان.. ولا يدركون  صلة حياتهم بل  صلة الموت فقط.

أرادت أن تنهي ما بدأت، تناست كل ما تشعر به لتصل إلى مقعد دراسة، جلست كثكلى أو أرملة،  أمسكت القلم لتذبح آخر ما تبقى من الحلم، لتشرب آخر قطرة ٍ في الدنيا من نجاح، لتودعه بطمأنينة رغم أنه ما زال بحاجتها،  تسعة عشر عاماً أمضتها بين الحروف، كان من السهل أن تتعامل معها ربما لأنهما تربيا معاً على صفحات دفتر وبين دفتي كتاب، كان الحرف وهي على صلةٍ يجعلهما واحد، حتى أنها رأته يبكي لألمها، وجودها معه يريحها أكثر من أي شيء وكأنّ الكتابة أو القراءة  دواءٌ لم يكتشفه الأطباء بعد، كانت والورق من عجينة وحده ولذلك هو وحده كفيل ٌبمعرفة ألمها ، جعلها في  90 دقيقة تتذكر الماضي كأحجية تركبها دون أن تشعر،صورٌ كثيرة، أناسٌ أحبتهم، عشقت الحديث معهم، ذكرياتٌ لا تُحصى، أحلام ٌ لم تنته … أوشكت أن تودعها إلا أن الله ما كتب لها ذلك، وأيقنت أن الضربة التي لا تقتلها تزيدها قوّة.

17-6-2009

Tags: , , , , , , , , , ,

11 Responses to “الموت طحناً”

  1. علاء Says:

    تدوينة جميلة
    وبالأخص أنها من تدوينات أضواءك يا دمشق.
    فيها كتير تعابير وتشبيهات جميلة, بس لازم يكون هدف التدوينة واضح شوي أكتر.

    كتريلنا من هدول أضواءك يا دمشق…حلوين (;

  2. هدى Says:

    أعتقد أن هذه قصة حقيقية حدثت مع فرح … عندما أصابها حادث السيارة وذهبت إلى الفحص ….

    ما شاء الله يافرح…يا أختي الحبيبة … تعبير عميق ومؤثر
    جعلتني أبكي …

  3. Bashar Says:

    مع اني عندي تحفظات على السوداوية بمقطع معين … ولكن ما بقدر قول غير الله يسلم اناملك على هالابداع والله يزيدك ابداع ويحميكي من كل شر … وتاني مرة سوقي على مهلك اوكيه 😆

  4. عبد Says:

    تدوينة رائعة يا فرح .. بس فيها سوداوية .. كبيرة
    :(( :((

  5. قميص يوسف Says:

    أن نموت لنحيا
    ما أجمل أن نكون

    لكن في هدأة الليل الحنون
    تضيع كل السنون

    ما أجمل ما كتبت يا فرح
    كل مرة تقف كلماتي وأبجدياتي تتفقد كلماتها وتغالبها فتغلبها

    زيدينا حيرة يا فرح
    زيدينا من كلماتك

    ماهر

  6. عونيــ Says:

    تسجيل إعجاب بما كتبتِ .. وتسجيل مرور.

  7. وسيم Says:

    ((f))

    الحمد لله أن التراب لم يلقي نفسه عليها لحتى الآن . ((f))

  8. KaMjO Says:

    صراحه قصة رائعه جدا

    هي اول كتابة بقراها الك اول ما دخلت المدونه

    متابع لكل ما تكتبن…….

  9. دعدوشة Says:

    ” أنت تضيفين على الحياة كثيرا ”
    اعتقد بأن هذه هي الرسالة التي أراد القدر أن يوصلها لك
    حمد الله ع السلامة ((f))

  10. faddy Says:

    وأيقنت أن الضربة التي لا تقتلها تزيدها قوّة…..

  11. m-alhamwi Says:

    عندما قلت اني مازلت اتعلم قيادة تلك السفينة الصغيرة في بحرك العذب لم اكن مخطأ , اهنئك على ملكة الابداع التي وهبكي الله إياها ,جداً القصة مؤثرة وشكراً لله لأنها بقيت فوق الارض
    دمتي سعيدة فرح 🙂

Leave a Reply