Archive for أبريل, 2009

رجال في الشمس.. شمس موتٍ أم حريّة؟!

الخميس, أبريل 30th, 2009

نقاش حارة القراءرجال في الشمس غسان الكنفاني.

-سألتك : هل رأيت في عمرك كله هيكلاً عظميا مُلقى فوقَ الرمل ؟

ليس فقط أسعد أجاب بكلا، جميعنا لم نرَ هيكلاً عظمياً ملقى فوق الرمل، جميعنا لم نعرف معنى الاحتراق بالشمس، وأغلبنا لم يذق الاحتراق بالذل!
أثناء قراءتي لسطور غسان شعرت كم هو صعب أن تحترق، تحترق بُعداً، تحترق ألماً وأمل، تحترق بحثاً عن لقمة، وليس فقط بالشمس بل بالذكريات و الأحلام والمستقبل… جميع هذه الأمور تحرقك في حال لم تستطع نسيانها أو تحقيقها ..
أسعد، مروان، أبو قيس ثلاثة رجال من أرض، هل تعرفون معنى اقتراب الشمس من الأرض، هل يبدو الموضوع كما هو عليه أم أنه أكثر عمقاً من مجرد الاحتراق في خزان، قراءتي لأحلامهم جعلتني أدرك كم هو سخيف  أن تضيء الشمس مكاناً لأحدهم بينما تلتهم بنارها آخرين، فتكون نقمة ونعمةً في آن، وتكون دفئاً وحب مكاناً بينما موتاً وعذاباً جانباً آخر، وتبقى شمس الموت هي ذاتها شمس الحريّة.

– ماذا بك يا أبا قيس، هل أنت مريض؟
– أنا؟ أنا؟ أوف، كلا.. لكنني أتنفس حصتي من الهواء.

وكانت هذه آخر حصة يا أبا قيس غصتم في المقلاة كما فعل سائر البشر …وصلتم إلى الكويت وصلتم إلى الأرض التي حلمتم بها ولكنهم دون روح ولا حتى قلم لتكتبوا نحن هنا ، أبو قيس لا أشجار في الكويت، وقيس سيكبر ولربما يتابع رحلتك، وابنة عمك يا مروان أصبحت أرملة قبل أن تتزوج، ووالدتك يا  أسعد ستبكي كما بكت انقطاع أخبار زكريا .. ونحن “وإن كنتم تسأولون عنا “سنتألم كثيراً ونبكي كثيراً ونسأل أنفسنا …
لماذا لم تدقوا جدران الخزان لماذا … ؟؟
لم يدقوا جدران الخزان لكي لا يفضحوك يا أبا الخيزران، ولكنك نبشت جيوبهم وألقيتهم عند مكب النفايات، هل سنفعل ذلك بأهل الأرض، نعم أبو الخيزارن رُسم برأسي وكأنه العرب، استغلال، بحث عن المزيد في النقود، محاولات فاشلة و كاذبة لإعادة الأرض، تخمد وتخبو عند أول معارضة أو وقوف من  الطرف الثاني، مجرد ماديّة والقليل من التعاطف.

ذُكر أن أبو الخيزران ضحى برجولته في سبيل الوطن، ومازال ناقماً على نفسه وعلى تضحيته وعلى الوطن، هل ستبقى هذه الذكرى أقوى أم أنّ الموتى الثلاثة والخزان سيعيشون في ذاكرته أطول.. ؟؟؟

صاح أبو الخيزران بصوت عال قبل أن يغلق الباب:
– البس قميصك يا أسعد وإلا شوتك الشمس..
قال مروان لأبي الخيزران بصوت موهن:
– قل له أن يترك باب الفرن مفتوحا عله يبترد.

هل عرفت الشمس يومها قميصاً من رجل، وهل يبرد الفرن مع النار .. !رجال الأرض … ذاتها الشمس التي قتلتكم، ذاتها هي من ستجعل عمال النظافة يرونكم لتواروا الثرى.

—————————————————————–

دار النشر:صدرت عن مؤسسة الابحاث العربية ش.م.م
النوع والصفحات: رواية قصيرة – 52صفحة.
تاريخ النشر :ست طبعات الاولى عام 1963 في بيروت والسادسة عام 2005م

موتو أريحلو..!!

الجمعة, أبريل 24th, 2009

14-6-1995

لو كنت حياً لأصبح عمرك الآن سنة، لكنك لن تمشي،  هل يمشي الأطفال في عمر السنة ؟ لا أدري .. لا يُهم .. إنها المرّة الأولى التي أكتب لك، والدتك  توفيت بعد موتك، وأنا كذلك لكنهم يقولون أني أتنفس، أذكرك ولدت بلا قدمين يا .. يا .. يا .. دعني اختار لك اسماً “سامح” أظنه مناسب لما سأقوله بعد قليل .. أو دعه للسنة القادمة.

14-6-1996

لا،ما نسيت عيد موتك، كل عام وصورتك في رأسي، بلا قدمين ووجه مشوّه، نعم أعرف أنه من المؤلم إخبارك بهذا. ليس لدي هديه أبلغ والدتك سلامي!

14-6-1997

سامح.. أصبحتُ  في الثالثة من الندم، أرجوك عد  دون يدين حتى، أريد أن أكون معك، تزوجت بشقراء، لكنها لا تنجب، لأنني وحيد يا سامح أردتها في سريري.

25-3-1998

أعرف إنه ليس عيد موتك، لكني اشتقت جداً لحديثنا، رأيت اليوم طفلاً يُشبهك، ووالده يلعب معه… في المنام رأيته، سامح أكنت أنت، وجدت أباً غيري.. !!

14-6-1998

كيف حال والديك؟ هل يعاملك ذلك الرجل جيداً، بدا طيباً ووالدتك أسعيدةٌ في السماء؟ طلقت زوجتي حاولت تحريري من الندم، سامح انتبه لنفسك.. أحبك.

14-6-1999

كنت ومازلت وستبقى بلا قدمين، كنت ومازلت سأبقى نادماً على قتلي لك، لا، لا .. لم أفعل ذلك بيدي، كلفت عاملة التنظيف بذلك!
فكرت كيف أخبر أمك، إلا أنها ماتت، أظنه قلب الأم!
لست قاتلاً، لست قاتلاً .. أردت لك الموت أردت لك الأفضل.

14-6-2000

نعم صدقني، تظاهروا بالمثالية جميعهم، قالوا لو أنهم رزقوا بمثلك لصبروا… لا تصدقهم سامح الصبر صعب جداً، لست مثالياً لا أشبههم، هم لا  يعرفون … وحدي أصبر على الندم، على الفقد، على الشوق … عفواً نسيت: كل عام وأنت مُعذبي.

14-7-2002

كفاني بعداً سنتين، سامح أظنك غفرت لي، أصبحت رجلاً وأنا في السابعة من العذاب.

14-8-2003

لا أحاول تذكيرك، لكني قابلت قاتلتك، ابتسمت بخبث، تريد مني المزيد من النقود، تخيل ليست نادمة، سامح هل نمَت قدماك في الجنة، قل لي نعم أرجوك.. دعني اطمئن.

14-6-2004

أرادت والدتك أن تسميك كامل، لكنك لم تكن، فعلت ما فعلت لأجلكما، سأتوقف عن ذكر هذا…. ما مضى، مضى وأنت تفهمني أكثر من الجميع.

14-6- 2005

عشر سنين وأنا دونك، عشر سنين يا صغير أستغفر وأتوب، سامحني .. لو أني كنت أعقل فقط !

14-6- 2045

تراك لو كنت هنا ستقتلني، بلغت الثمانين لا أمشي، لا أتحرك، يُصاب من يراني بالاغماء.

————————-

همسة:

أعرف أنّك لا تعتبر نفسك أفضل من أحد، وما ظننتَ يوماً أنّ المعاقَ يفكرُ بكمالكْ، لاتحجز لنفسك كرسياً في جهنم لأجل كلمة تلقيها،أو أن تذل في أرذل العمر لاستهزائك، لست مطالباً بحلول لأجله مهما كنت تظنها مفيدة أنت دوماً أكبر من  التفكير بالشفقة عليه، ومن المؤكد “أن موتو مو أريحلو” إلا أنه قد يبدو جيداً بالنسبة لك عندما لا تستطيع مساعدته بشيء .. المعاق مجرد شخص مختلف بطريقة أو بأخرى.