مفتاح شقةٍ جديدة
في عينيها ألفُ قصة ٍوقصة، وألفُ دمعةٍ،و نظرةٌ من شوق ٍ.. لا يرويها أملٌ في لقاءٍ طالما حلمت به .
هي تبتسم بكل ما أعطاها الله من قوة تبتسم، وتقنع ابتسامتها بعودته ، لابد أن يعود سيقوده القدر، سيرشده قلبه،سيكون هنا،حتماً إنه عائد …
قلبه الذي وُلد مريضاً جسده المنهك صورته الأخيرة كل ذلك لا يوحي بالعودة .. التي أقنعت نفسها بها ..
لفظ َ أنفاسه الأخيرة منذ زمن طويل،ولعل كلمة أنفاسه توحي بكثرتها، إلا أنها قابلة للعد، كان الولد الأول بعد عشر سنوات من الحرمان وكان الأخيرَ كذلك
لم تكن لتظن يوماًً أنّ السعادة الوحيدة التي أُعطيت لها من يوم شعرت به يتحرك في أحشاءها ستسلب بين ليلةٍ وضحاها ولن تجد إليها بعد ذلك سبيلا .
كانت كل حياتها تدور حوله ، تسعة شهور ٍ أمضتها تفكر به ، تفكر بحروف اسمه ،تفكر في نظرة عينيه، في بطنها.. أملٌ وحبٌ ومستقبلٌ من روح صافية، وشهادة ٍ معلقة على حائط شقة ٍ جديدة، وحكاية حفيد شقي ..
كل ذلك كان كفيلاً بجعلها سعيدةً بعمق البحر، متفتحةً كوردة عذبة، تاركةً ورائها ما عاشته من ظلم ٍ في بيت ٍ يُقال أنه بيتها،إلا أنه عائدٌ إلى زوج أمها
كل ذلك جعلها أخرى، لا تبحث انتقاماً،ولا تغذي حقداً أصبح عمره يقارب عمرها
الآن هي الإنسانية جمعاء،هي الأم وحدها،ستحمله،ستنجبه سيكون هي
وتدعو بكل تضرع ٍ، تدعو “إلهي لا تجعله بقبح أبيه ، إلهي لا تشوه بصفة من صفاته،إلهي أنت وحدك قادر،أنت وحدك قادر ”
كانت تظن أن صفات أي أبٍ في الدنيا لابد مجتمعة في ابنه ، أقنعها بهذا زوج أمها في عشرين سنة ونيف ..
طال عذابها سنوات وسنوات، فلم تكن لتخرج من بيت ذلك الزوج المُسمى على أمها، لتدخل إلى بيت من سُمي عليها زوجاً ،ليعاملها بقسوةٍ ،وكرهٍ، وجلف،بعد أن أكتشف أنها لا تنجب ولن تنجب،إذاًً.. لتبقى كما هي،خادمة ٌ له في بيته وسريره
وكان هذا مناسباً له على حد زعمه ، فهو لا يريد أن يجني على أحد، كما جنى عليه والده ورماه في هذه الدنيا ومع هذه المرأة العقيم
لم يكن ليكلف نفسه ويفكر بها كإنسانة … تعاني ، تتألم ، تبكي بحرقة دمعاً ودماً ، تحتاج قليلاً من الحب ..
هي و بكل ما فيها، تريد أن يكون لديها هذا الطفل، فهو الأمل الوحيد في دنيا قد نسيت أن تعطيها ولو قليلاً من الأمان
هذا الحمل، ووحده فقط ، أهم شيئ في حياتها.. وأعظم حدث ٍ جرى، وأروع ما قد يحصل.
لكن يأبى الحزن والألم مفارقتها،حتى وإن حاولت واستمرت بالمحاولة وبتأليف القصص والحكايات
لا أحد يعرف إن كان ما تزعمه صحيحاً،تقول:أن أبنها قد وُلد سليماً معافى ،ولكن أباه باعه واستبدله بآخر مريض ٍ بالقلب، لربما كان عاشر أخوته ولم تكن أمه لتفرح به مع مرضه هذا ، باعه لأن الله استجاب دعاءها ولم يكن يشبهه.
تقول أن أبنها ما زال هناك في بطنها يرفض الخروج لتعلقه بها يرفض الدنيا التي حرمت أمه وحبيبته الوحيدة السعادة
تقول أنه موجود، وأنه حيّ يرزق، لكن الله أراد له حياةً أفضل،فتركه لينعم بين أحضان أم ٍ دخلت هي وإياها المستشفى إلا أنهما افترقا عند تحديد مستويات الغرف.
تقول أن أبنها ضاع، نعم ضاع. فاحتاروا بما يقولونه يومها،فجلبوا لها لقيطاً مريضاً متهالك.
تقول أن أبنها ما كان ليموت يوماً،ستترك الضوء في كل ليل،لأنه سيعود.
وفي يده طفلٌُ وشهادة،ومفتاح شقةٍ جديدة .
فرح..
أغسطس 1st, 2008 at 6:30 ص
ابدعت فرح ..
وابدع قلمك في نسج احداث هذه القصة ..
لكم تسلبنا الدنيا اغلى ما لدينا لتتركنا وحدنا فيها ..
ونظل نرسم احلامنا وننظم اكاذيبنا في اغنيات نهون بها علينا اللوعة والحزن ..
لكننا سننصف يوما ما لا محالة ..
اتوق للمزيد فرح ..
اخذتني التفاصيل والعبارات الى عوالم جميلة ..اود ان ازورها بين الفينة والأخرى ..
تحية عذبة .. كما انت ..
أغسطس 1st, 2008 at 10:03 ص
:welcome:
أغسطس 1st, 2008 at 3:37 م
تدوينه رائعه 🙂
أغسطس 1st, 2008 at 7:46 م
رائحة قلمكِ زكية ..
ونسج القصة جميل .. لكن ألا ترين أنه حزين بعض الشـيء ..
أعلم أن الحزن شيء متأصل فينا .. لكن لا أحب أن يظهر على ملامح أقلامنا !
رغم هذا تبقى القصة جميلة .. بل ومبدعة ،،
لحروفك باقة وردٍ أبيض كـ قلبكِ 🙂
تحياتي ،،
أغسطس 1st, 2008 at 8:20 م
جميلة جداً كلماتك يافرح .. الله يوفقك .. وإن شاء الله نرى كتب لك في وقت قريب 🙂
أعجبني جداً إسم التصنيف . إختيار مميّز فرح ..
أدهم .
أغسطس 1st, 2008 at 9:55 م
قصة تلامس أحزان القلب ..
تجعلني أفكر هل يمكن أن نعيش لنتألم لنحزن لننتظر …
لابد أن يولد الضوء ..لابد أن نولده نحن …
لولا هذه القوة في قلوبنا وفي قلبك فرح … لعلقنا في إحدى غرف الحياة المظلمة ونسينا الضوء ..
أغسطس 2nd, 2008 at 1:19 ص
ما أروع إبداعاتك :clap:
أغسطس 2nd, 2008 at 10:29 ص
أكثر من رائعة .. فرح أنت أكثر من مبدعة ..
حتى أني أعجز عن التعليق لأني مهما قلت فلن يكون لكلامي معنى أو مكان أمام هذا السمفونية الكتابية الخالصة ..
أتمنى لك التوفيق بهذا الإبداعات ..
أغسطس 2nd, 2008 at 4:03 م
تأخذني حتوتك الجميله هذي لعوالم ضالة في حارات عتيقة تشبه في تقاسيمها خطوط ألفتها تجاعيد مدينة قديمة متجددة
لن أزيد
فأطيب القول …. ما دل
رأيت فيك قلمك بريقا …. عن أفكار حان موعدها .
دمت
راوية
لأحلى
الروايا
أغسطس 2nd, 2008 at 5:39 م
فرح، لقد تطرقت في القصة لمعاني كبيرة بأسطر قليلة. أسلوبك الميلودرامي في تصوير حالة تلك المرأة التي فقدت طفلها بعد أعوام من الإنظار يعطي للقصة نكهة فريدة و جميلة. الأم و كأنها تهلوس، غير مصدقة أن الطفل الذي إنتظرته كل تلك الأعوام قد ضاع منها. ستبقى تنتظره، و إن كانت على يقين بأنه مات، و ستنتظره – كما إنتظر أهل الحارة عاشور لقرون كثيرة في رواية الحرافيش. إنها الفطرة الإنسانية التي تأبى أن تصدق أحيانا بأن قدر الله أقوى من مشيئتهم.
الطفل هو الأمل الوحيد لديها و هو المنجّي من ظلم الزوج الخبيث.
عندما يضيع الأمل أمام الإنسان لا يبقى له إلا الله.
شكرا فرح لقد أبدعت فعلا في هذه القصة القصيرة 🙂
أغسطس 2nd, 2008 at 5:59 م
رائعة بمعنى الكلمة ,,, حقاً كادت شعرت بالحروف تتحرك فرحاً بروعتها 🙂
تحياتي على القصة الرائعة و المدونة الأروع 🙂
أغسطس 3rd, 2008 at 11:17 م
فـــــــــــــــرح
قصة مؤثرة وأسلوب جذاب ومشوق
تقديرى واحترامى
أغسطس 5th, 2008 at 8:56 ص
جميلة 🙂
هاتي ما عندك يا فتاة 😀
أغسطس 5th, 2008 at 2:09 م
تسجيل دخول من مدونة الصمت
أغسطس 5th, 2008 at 2:33 م
السلام عليكم
كلام اكثر من رائع بارك الله فيك
قصه جميلة وجذابه
الاخ
احمد مجدى
أغسطس 5th, 2008 at 7:17 م
مساء الخير …
مبدعه اختي الفاضله ..
قصه قريبه للقلب أعجبني التسلسل بها …
بحفظ الرحمن
أغسطس 6th, 2008 at 1:54 م
عزيزتي فرح : اخذتني في رحلة طويلة مليئة بالأحزان ، لكنها رحلة جميلة . كلمة شكراً لن تفي بالغرض لكني سأقولها . شكراً لكِ ولإبداعك
أغسطس 6th, 2008 at 5:02 م
فرح … أنت رائعة … رائعة جدا … و إبداعك أخذني من واقعي لأحلق في سماء سطورك …. جميلة .. صافية .. تذوب فيها روعة كلماتك …
أشكرك عزيزتي … استمتعت بها إلى أقسى حد …
تحياتي و سلامي لك غاليتي
أغسطس 8th, 2008 at 1:39 ص
قصة جميلة تخاطب العقل والعاطفة معا
لك كل الشكر
أغسطس 11th, 2008 at 1:37 م
حلو فرح يعطيكي العافية